
يتواصل الجدل في البحث الذي بين ايدينا والذي انجزته جمعية سبعة رجال لفن الملحون والتراث، حول الأصول الحقيقية لفن الدقة.
وبعد ان أسقطت فرضية الأصول الأفريقية لهذا الفن في البحث المذكور، كما سجلنا في الحلقات السابقة، مع ان الدفوعات مازالت قائمة مساندة هذا الطرح، أو كأضعف الإيمان تأثير الريح الأفريقية على فن الدقة، لكن الجدل القوي يظل حول تأصلها بين المدينتين تارودانت ومراكش
وهنا نجد الطرح الذي يذهب إلى أن هذا الفن دخيل على مدينة مراكش، وأن أصله من مدينة “تارودانت” القريبة من مراكش من جهة الجنوب، وأن تسميته ب”الدقة” فيه إشارة إلى “الدِّقَّة” (بكسر حرف الدال وتشديده ) في العزف، وقد ارتبطت بالزوايا والشطحات الصوفية، فكانت أقرب إلى فرق “عيساوة” و”احمادشة” وغيرهم، واستدلوا على صحة أقوالهم، بأن هذا الفن موجود على أصله إلى حد الساعة بمنطقة “تارودانت”، إضافة إلى ما يتضمنه “العيط” وطقس “الدقة” عموما من كلمات أمازيغية ترجع في أصولها إلى هذه المنطقة، وذلك مثل: “أفوس” / “الكور” / “لشير” / “أعراج”…، ويعزون دخولها إلى مراكش عن طريق أهل “تارودانت” الذين هاجروا إلى المدينة الحمراء للاشتغال بالدباغة وصناعة الجلود، وظلوا يمارسون فنهم ذاك داخل أحياء المدينة حتى عرفه أهلها وأتقنوه هم أيضا…
وهنا يأتي الطرح الثاني المنتصر إلى أن اصول الدقة المراكشية يعود إلى مدينة مراكش، إذ يعتبر أن ماذهب إليه الطرح الأول مردود عليه من عدة نواحي فمن جهة لا ينفي أصحاب هذا الطرح أن في مدينة “تارودانت” فن شبيه ب”الدقة المراكشية”، كما توجد ب”تازة” “دقة”، وب”وجدة” “دقة”، وب”دمنات” “دقة”، فهذا شيء يقول أصحابه : أننا لا نجادل فيه ولا نريد ذلك ، لأن لكل منطقة مطلق الحرية في أن تسمي فنها كما تريد، لكن الذي نؤكد عليه هو الاختلاف البين بين “الدقة الرودانية” و”الدقة المراكشية”، مهما حاول البعض أن يطمس هذه الحقيقة من خلال الاستفادة من التقليد، ومن تبادل التأثير والتأثر، لكن الفروق تظل دائما بارزة، ف”الدقة الرودانية” تعتمد مجموعة من “التعاريج” بمواصفات خاصة قريبة مما يسمى بمراكش ب “التعريجة الكاملة”.
وتصاحب هذه “التعاريج” ثلاث “طارات” جمع “طارة” وهي “البندير”، ولا يوجد فيها زجل شبيه ب”عيط الدقة المراكشية”، وغالبا ما تكون مقدمة لإنشاد قصائد الملحون في حفلات خاصة، ولذلك يطلقون عليها “لَكرِيحَة”. أما “الدقة المراكشية” فيعزف ممارسوها على ثلاثة آلات موسيقية متباينة ومحددة الوظيفة، حيث نجد مجموعة من “التعاريج”، ثم “طارة” واحدة، و”قراقب”، مع ملاحظة هامة وطريفة ودالة حول هذه الآلات، ذلك أن “التعريجة” ترمز إلى المرأة في رهافتها، و”القراقب” للرجل في خشونته، أما “الطارة” فترمز لبكارة الفتاة العذراء، والدائرة “الكور” فضاء مغلق شبيه بالبيت المغلق الذي لا يعرف الآخرون ما يجري بداخله في إشارة إلى السترة، وهكذا تصبح ليلة “الدقة المراكشية” شبيهة بحفلة “عرس” ، وفي باب الاختلاف دائما بين الدقة الرودانية والمراكشية ،يقول رئيس الجمعية التي قامت بهذا البحث خالد ولد الرامي ، بأن هناك فرقا واضحا حتي من الناحية الشكل ، ففنانو الدقة الرودانية يجلسون بشكل نصف دائري لأما فنانو الدقة المراكشية فيجلسون راسمين دائرة كاملة ، لذلك فالعديد من ابناء مراكش يطلقون على هذه العملية " الكور " …
مقاطع من عيط الدقة :
الولي مــــــول الـــــــدليــــل حرمة سيدي مسعود لا تفرط فينا
الولي سيـــــــدي أيـــــــوب عار الجار على الجار لا تدزني يا جاري
الولي يـــــــــا بنصالــــــح حرمت للا نجمة يا السكراتية
الولي مـــولاي علي الشريـــف حرمت القاضي عياض لا تفرط فينا الـــــولي سيــــــدي منصـــــــور حرمت مولاي اليزيد لا تفرط فينا الــــــولي سيــــــدي ميمــــــــون حرمت الإمام السهيلي لا تفرط فينا الـــــــولي سيــــــدي يعقــــــوب حرمت للا ميمونة لا تفرط فينا المكطــــــــع فـــي واد سبـــــــو عاودو لي كيف اجرى يا المحاربين السي مـــــــــو ولــــــــد أمـــــو برم الطارة يا العشير غرب الليل
للاه سالها يا العشيـر أمالها عليا أهيا واجب اللي صيفتوني
الشبـــان راه العــــــام ازيـــــان نمشيوا للنزاهة ونكيمو فبساط
تعليق الصورة : جانب من الدقة الرودانية


